غرق الإنسان في طوفان المعلومات: تصور مارغريت دوراس لمستقبلنا

أضيف بتاريخ 10/03/2025
الجِنان Al Jinane

في عام 1985، جلست مارغريت دوراس، الكاتبة الفرنسية الفذة، تتأمل أفق الألفية القادمة. كأنها تكتب سيناريو نبوءة لكوكب تنتزع فيه شاشة التلفاز والبيانات السيطرة على الوجود الإنساني. توقعت دوراس أن يُصبح الإنسان «غارقًا حرفيًا في المعلومات». بعد أربعة عقود، تبدو هذه الكلمات مرايا لواقعنا المعاصر، حيث تسرق الشاشة الوقت، ويشرق الخوف من الغرق في بحر الأخبار والبيانات.

فيما يلي، نص المقابلة مترجمًا إلى العربية بالكامل:

النص المترجم:

"سيُلتهم [الإنسان] حرفيًا في خضم المعلومات.

في تيار متواصل من المعلومات حول جسده ومصيره الجسدي وصحته.

عن حياته الأسرية، وعن راتبه، وعن جاره.

ليس ذلك بعيدًا عن الكابوس.

لن يبقى أحد ليقرأ.

سيرون التلفاز فحسب.

أجهزة التلفزيون في كل مكان.

في المطبخ، وفي دورات المياه.

في المكتب، وفي الشوارع.

لكن كل هذا ينتظر بينما نشاهد التلفاز طوال الوقت.

لسنا وحدنا.

لن نسافر بعد الآن، لم يعد من جدوى للسفر.

حين يمكنك أن تطوف العالم خلال 8 أيام أو 15 يومًا.

لماذا السفر؟

في الرحلة يوجد زمن الرحلة.

ليس الأمر رؤية سريعة.

إنها رؤية وعيش في الوقت ذاته.

عيش الرحلة لن يعود ممكنًا.

سينتقل كل شيء.

سوف يُستثمر كل شيء.

ستبقى لنا البحر على الأقل.

المحيطات.

وثم، القراءة.

سيعيد الناس اكتشاف ذلك.

في يوم ما سنقرأ.

وثم سيبدأ كل شيء من جديد."

ما أجمل حاسة التنبؤ لدى المفكر حين تخترق حاجز الزمان! مارغريت دوراس، في منتصف الثمانينيات، رأت أمامها مجتمعًا منهكًا من سيل المعلومات. اليوم، نرى ذلك بوضوح فائق: يقيس الإنسان صحته ومعيشته بنبض الآلة الذكية، ويتبدد زمن التأمل أمام عجلة التدفق اللامتناهي للمحتوى.

في عالم يختلط فيه الواقع بالافتراضي، تحذر دوراس من اختفاء التجربة الإنسانية العميقة، تلك التي ترتبط بالسفر البطيء واكتشاف الذات من خلال الرحلة، وليس فقط جمع الصور السريعة أو قصاصات المعلومات. وكأنها تقول: لم يعد هناك مكان لصمت البحر ولتأمل القراءة، إلا كترياق منسي.

كما تدعو كلماتها لإعادة الاعتبار لقيمة القراءة: العودة لكتابٍ هو عودة للبطء، للاختيار، للحرية أمام الشاشات المتحكمة في إيقاع العيش. فربما يجد الإنسان مستقبلاً أن الكتاب والبحر هما الميناءان الوحيدان ضد الغرق الوجودي القادم.

تصبح رؤية دوراس نافذة فلسفية على حاضرنا: لعل المنفذ الثقافي الأصيل يكمن في استعادة بصيرة التجربة، في زمن بات فيه كل شيء معلّقًا بين شاشة وأرقام. التوقف، الكتابة، القراءة، البحر... هذه المقاومات الأخيرة ضد الغرق الشامل.

من رؤية مارغريت دوراس ننطلق لنحاور زماننا: هل سننجو من طوفان المعلومات أم سنجد طريقنا إلى شاطئ الإنسانية من جديد؟