‎عبد الوهاب مدب… الشاعر الذي وصل بين الشرق والغرب

10/07/2025
00:00
29:41

‎في لقاء إذاعي بثته إذاعة فرانس كولتور بتاريخ 7 أكتوبر 1995 ضمن برنامج “الشعر على parole” الذي أعده أندريه فِلتر، قدّم الشاعر والمفكر التونسي الراحل عبد الوهاب مدب قراءة كاملة لعمله الشعري “99 محطة من يَل” الصادر عن دار النشر “فاطا مورغانا”، مُمزجًا بين اللغة الشعرية المكثفة والإحالات الصوفية والفلسفية.
‎مدب، الذي وصفته ناتاشا پولوني عند وفاته بأنه “الشاعر الذي أسكت المتعصبين”، تحدث في هذا اللقاء بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين البلاغة العربية والشعر الفرنسي، مجسّدًا ما سماه “مشروع المكيّف الثقافي”؛ أي القدرة على نقل روح التصوف الإسلامي، المستلهم من أعلام مثل النِّفَّاري وابن عربي، إلى فضاءات لغوية وثقافية جديدة، مع الاحتفاظ بعمقها الروحي وجرأتها الفكرية.
‎خلال تلاوته، ربط مدب بين شرقٍ ينهل من التراث الصوفي وغربٍ يتغذى من رموز شعراء كبار مثل هولدرلين والحلاج، ممتدًا بين ضفتين حضاريتين ومسارات أسفار، حيث تتجاور صور الصحراء مع مدن المتوسط، وتتمازج أصوات البحر مع رنين المآذن، مُصوِّرًا رحلة الإنسان بين المنافي والمعابر، وبين المواجهة والذاكرة المشتركة.
‎في هذا النص الشعري الطويل، تتوالى مشاهد حلمية ومجازية: عبور حدود، مواجهة دوائر مغلقة، حوارات بين كائنات أسطورية، واستحضار رموز من مختلف الحضارات، في صياغة تتقصى معنى الطريق ومعنى الكلمة، وصولًا إلى لحظة تمحو المسافات بين الرؤيا والقول.
‎البرنامج، الذي أخرجه لوران فرَكيا وأنجزته إيزابيل ميزيل، شكّل مناسبة لتعريف المستمعين بآخر أعمال مدب آنذاك، وهو كتابه “بورتريه الشاعر كصوفي” الصادر عن دار “بلان”، والذي عزّز صورته كشاعر وفيلسوف يربط بين التجربة الروحية والحداثة الشعرية، دون خضوع لفكرة “إسلام واحد” أو ثقافة أحادية.