صدر حديثاً عن دار "Perrin" الفرنسية كتاب جديد للمؤرخ بنجامين بادير-هوداييه يحمل عنوان "محمد الخامس، السلطان الذي أصبح ملك المغرب". هذا المؤلف الذي يقع في 405 صفحات، وينبني على أطروحة دكتوراه أنجزها الباحث في التاريخ، يُقدّم كبيوغرافيا معمقة للملك الراحل محمد الخامس، الشخصية المحورية في تاريخ المغرب الحديث وصانع استقلاله. يحظى الكتاب برواج في الساحة الثقافية الفرنسية، إذ أفردت له صحيفة "لو فيغارو" عرضاً خاصاً في ملحقها حول الجدّة الأدبية، وأبرزت المكانة الرمزية لمحمد الخامس كأول ملك للبلاد، وكزعيم وطني أسهم في إعادة بناء الوعي السياسي بالمغرب، خاصة منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي.
يروي العمل مسار السلطان محمد بن يوسف، الذي غيّر اسمه إلى محمد الخامس سنة 1957، بعد تحول المغرب من إمبراطورية شريفة إلى مملكة حديثة. كما يستعيد سنوات النفي التي فرضتها عليه سلطات الاستعمار الفرنسي عام 1953، وعودته اللافتة إلى العرش بعد عامين فقط، في حدث اعتبر استثنائياً في سياق نضالات الاستقلال. يعاين المؤلف الكواليس السياسية لعلاقة المغرب بفرنسا، بين أجواء الصراع والاضطراب وتردد باريس في سياستها بين تمكين تجربة الشراكة أو ترجيح تحالفات داخلية لإدارة مرحلة انتقالية صعبة.
يشير بادير-هوداييه إلى محدودية الأرشيفات الخاصة مقابل وفرة المصادر الرسمية التي تعكس غالباً رؤى فرنسية، ويبرز أيضاً كيف تغيّرت تقارير باريس بتغير الظروف: ففي لحظة مطالبة محمد الخامس بالاستقلال كانت تسميه "الطاغية"، ثم ما لبث أن أصبح، مع استقرار الوضع، "عماد الاستقرار المغربي والمصالح الفرنسية". ويعتمد الكاتب ترتيب المصادر حسب قربها من الملك، مرجحاً روايات المقربين وشهاداتهم لتقوية السرد التاريخي.
يحضر في مقدمة الكتاب أيضاً وهج المقارنات، خاصة مع إصدار جيل بيرو "صديقنا الملك" سنة 1990 الذي أثار ضجة واسعة عن حقبة الملك الحسن الثاني وأدى إلى فتور طويل بين باريس والرباط. يحرص المؤلف على إبراز أن القضايا التي عايشها المغرب مع محمد الخامس لازالت صالحة للنقاش حتى اليوم، لا سيما ما يتعلق بالنموذج المجتمعي الذي يجمع الإرث الملكي الإسلامي مع المؤثرات الأوروبية. بذلك، لا يرصد الكتاب فقط مسار ملك، بل يحاور ثبات النظام السياسي المغربي ومرونته في مجابهة التحولات الداخلية والخارجية، مقدماً مادة علمية توثيقية مهمة تعزز من فهم التاريخ المشترك بين المغرب وفرنسا وتطورات الهوية الوطنية المغربية .