تحوّل كتاب الجغرافية المغربية والباحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) شادية عرب "سيدات الفراولة، أصابع الجنيات" إلى رواية مصورة بيد الفنانة الفرنسية أنيليز فيردييه، ضمن إنتاج مشترك بين دور النشر "أليفباتا" الفرنسية و"إن توت لتر" المغربية، وبدعم من برنامج "كتب الضفتين" الممول من المعهد الفرنسي. وقد استُند في كتابة هذا النص إلى تقرير نشره موقع TelQuel بتاريخ 26 غشت 2025.
يأتي هذا التحول ضمن جهد منهجي بدأته شادية عرب عام 2009، حيث اعتمدت على بحث ميداني لتحليل أوضاع العاملات المغربيات الموسميات في حقول الفراولة بإقليم هويلفا الإسباني. إلى جانب تسجيل شهاداتهن، تناولت الباحثة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء النساء، المتراوحة بين تدني المستوى المعيشي ومحدودية الخيارات المهنية، في ظل هشاشة قانونية وحماية ضعيفة.
ما يميز هذا التحول نحو الرواية المصورة ليس فقط تبسيط المعرفة الأكاديمية وجعلها أكثر وصولاً، بل أيضاً إشراك الفعل الفني في كشف جوانب مخفية لصورة الهجرة النسائية الموسمية، والتي تحمل تعقيدات تتجاوز الصورة النمطية للأمل أو "الحلم الأوروبي". فالعمل يبرز، بلغة نقدية وحوارية، صراعات الهوية، ضغوط الحياة الأسرية، وعبء الرحلة/المخاطرة التي ترافقهن في التنقل بين بلدهن الأم وحقول العمل في الضفة الأخرى.
وفي تصريحات لـTelQuel، أوضحت شادية عرب أنّ انتقال العمل من التقصي الميداني إلى الفن البصري يساهم في كسر الصمت حول أوضاع هذه الفئة، ويمنحها مساحة تعبير مختلفة تجد صداها في مختلف الشرائح، الأكاديمية أو العامة، سواء في فرنسا أو المغرب. من جهتها، ترى الرسامة أنيليز فيردييه أنّ تكرارها العمل على هذا الموضوع عبر ثلاثة مشروعات منفصلة يترجم التزامها الإنساني ويوسع التوثيق البصري لهذه الشريحة المغيبة غالباً عن النقاش العمومي.
وقد استغرق إعداد هذه الرواية المصورة ثلاث سنوات، وشهد توثيق شهادات حية من العاملات، اللواتي أسهمن بصورة مباشرة في تشكيل المادة السردية والمرئية. كما خصص العمل تكريماً لسيدة فقدت حياتها في حادث سير عام 2023، في إشارة صريحة إلى المخاطر الواقعية التي تتجاوز مكان العمل لتشمل الطريق والهجرة والمجتمع.
تجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب الأصلي قد نشر أوّل مرة سنة 2018 وأعيدت ترجمته لعدة لغات بينها الإسبانية والإيطالية وكذلك إلى العربية عام 2025، ما يمنح المشروع بعداً يقطع مع اختزال الهجرة النسائية في أبعاد اقتصادية فقط، ويبرز التعدد الثقافي والاجتماعي لهذه الظاهرة العابرة للحدود.