بوعلام صنصال: حرية لم يكسرها السجن ولن يصمت عنها القلم

أضيف بتاريخ 11/24/2025
الجِنان Al Jinane

يعود الروائي الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال إلى فرنسا بعد عام أمضاه في السجن في الجزائر. يصف تلك الفترة باعتبارها محنة شخصية وسياسية، تكشف حدود الحريات العامة ووضع حرية التعبير في البلاد. وكما ورد في المقابلة ضمن برنامج Le 7/10 على RFI، فإن عودته ترافقها رغبة واضحة في رواية تفاصيل التجربة دون مبالغة أو تهويل، مع حرص على وضعها في سياق أوسع يطال الصحافة والفكر الحر.



يقول صنصال: «الحرية أعظم هبة، والسجن أقسى الإهانات. خرجت من الزنزانة، لكن أثرها لم يغادرني بعد.» ويشير إلى استمرار التضييق على الأصوات المستقلة، معتبرًا أن اعتقاله يندرج ضمن سياسة أوسع تمس صحفيين ومثقفين بسبب آرائهم. ويضيف أن فكرة الحرية لديه باتت مرتبطة بقدرة الفرد على قول ما يعتقده صائبًا دون خوف، وأن الخطر الحقيقي هو التطبيع مع الخوف واعتباره جزءًا من الحياة اليومية.

وُجهت إلى صنصال تهم تتعلق بالتجسس والإرهاب، واحتُجز في جناح أمني مشدد. يقول: «كان انتصاري الشخصي ألا أنحني؛ أن أخرج كما دخلت، متمسكًا بأفكاري.» ويتحدث عن أثر السجن على الذاكرة واللغة: «الكلمات كانت تتفلت، حتى القصائد التي أحفظها صارت تتعثر.» ويشرح أن هذا الإرباك الذهني لم يكن عابرًا، بل امتد إلى أبسط تفاصيل يومه، من استحضار الأسماء إلى صياغة الجمل، وأنه استعان بالقراءة لاستعادة إيقاعه الداخلي.

ويشير إلى منع الكتب وأوراق الكتابة داخل السجن: «بحثت عن ورقة وقلم، فقيل لي إن الكتابة مخالفة تُعاقَب بالعزل.» ورغم ذلك، تمكن من القراءة حين سنحت الفرصة، معتبرًا أنها ساعدته على الحفاظ على توازنه. ويذكر أن ما يتاح من مواد للقراءة كان محدودًا ومتقطعًا، وأنه كان يلتقط من النصوص ما يعينه على تنظيم أفكاره، لا سيما حين يضع لنفسه تمارين ذهنية قصيرة تُبقي لغته حيّة.

وعن علاقته بالسلطة يقول: «كنت بالنسبة لهم دائمًا مشكلة قائمة.» ويرى أن توتر العلاقات الجزائرية-الفرنسية ساهم في ظروف اعتقاله: «كنتُ رهينة تدهور العلاقات بين البلدين.» ويوضح أن تحويل الخلافات السياسية إلى ملفات أمنية يجعل الأفراد وقودًا لصراع لا صلة لهم به، وأن هذا الربط بين النقد الفكري والتهديد الأمني يضرب المجال العام ويضيّق أفق الحوار.

يتحدث صنصال عن تفاصيل الحياة اليومية في السجن: «تصير رقمًا بلا صوت.» ويذكر دعم زوجته وزياراتها، وعلاقات التعارف مع سجناء يعتبرهم أبرياء، إضافة إلى تنظيمه دروسًا في الأدب والرياضة داخل حدود الممكن. ويؤكد أن هذه المبادرات الصغيرة—تمرين جسدي منتظم، أو نقاش قصير حول نص أدبي—كانت وسيلته لمقاومة البلادة التي يفرضها الروتين والانغلاق.

وعن واقع الحقوق والحريات يقول: «ما زال في السجون عشرات من الصحفيين ومن يُعدّون أبرياء.» ويستعيد لحظة الإفراج حين طُلب منه ضمنيًا التزام الصمت: «قال لي أحدهم: من الأفضل الآن أن تضع بعض الماء في نبيذك.» ويضيف أنه سيكشف تفاصيل لاحقًا حين تتوفر الظروف المناسبة. ويحذّر من أن الدعوة إلى “التهدئة” غالبًا ما تتحوّل إلى آلية لطمس الوقائع وتأجيل الحقيقة إلى أجلٍ غير مسمّى، ما يستدعي مسؤولية أخلاقية في سرد التجربة كاملة حين يسمح الظرف بذلك.

يخرج صنصال من التجربة بعزم على مواصلة الكتابة والدفاع عن حرية التعبير: «سأواصل العمل من أجل فضاء يسمح للرأي المستقل بأن يُسمع.» ويرى أن المعركة المقبلة هي معركة لغة ودقة ومثابرة: استعادة الكلمات، وترميم الثقة العامة في النقاش الحر، وبناء مساحات يلتقي فيها المختلفون على قواعد واضحة تحمي القول المسؤول.