لطالما شكّل الكتاب عبر التاريخ أداة فعالة في مقاومة الظلم والقمع، حيث تتحوّل القراءة والكتابة إلى فعل تحرري يتيح للفرد والمجتمع بناء وعي جديد وصياغة سردية مضادة لتلك التي تفرضها السلطات أو الاحتلالات. فالكتب لا تظل بين جدران المكتبات بل تخرج لتغدو محفزًا للحوار المجتمعي، ومساحات للجدل وخلق البدائل، كما تؤكّد فعاليات عديدة في عالمنا اليوم.
تضرب جذور مقاومة القلم عميقًا في التراث العربي، وصولًا إلى حاضر تعصف به أزمات الاحتلال والمنفى. ففي فلسطين مثلاً، تحولت القراءة الجماعية في المخيمات إلى فعل مقاومة شعبية ورسالة سلمية للعالم مفادها أن المقاومة ليست بالعنف وحده، بل بالعلم والثقافة أيضًا. مبادرات مثل "سلاسل القراءة" في مخيمات العودة جسدت كيف يمكن للكتب أن تجمع الشباب حول ذاكرة وهوية وقضية عادلة.
وللكتابة المقاوِمة رموزها؛ من غسان كنفاني الذي وثّق التهجير الفلسطيني في أعماله، إلى محمود درويش الذي جعل من الأرض رمزًا للكرامة والصمود. استخدم الكتّاب الرمزية، وتعدد الأصوات، واستدعاء الذاكرة الجماعية ليحملوا جراح الواقع ويحوّلوها إلى أفق للأمل.
ولا يقتصر الأدب المقاوم على الرجال فقط؛ فالكاتبات العربيات مثل فدوى طوقان وسحر خليفة قدّمن رؤية مختلفة تركّز على معاناة المرأة داخل منظومة الاحتلال والتهميش الاجتماعي، لتظهر الأمومة ونقل القيم للأجيال كأسلوب مقاومة صامتة لا تقل أثرًا.
ومع انتشار الرقمنة، تطور الأدب المقاوم ليصل لجمهور عالمي عبر النص التفاعلي والوسائط المتعددة، رغم تحديات قصر الانتباه وتسارع الأحداث. فالجيل الجديد يدمج بين تقنيات النضال القديمة والأدوات الحديثة، مبرزًا قضايا جديدة كالتغيّر المناخي والعدالة الاجتماعية.
أما في المشهد المغاربي والعربي الحديث، يبقى الكتاب منبرًا لنقل الخبرات والتجارب وإضاءة زوايا منسية من التاريخ المحلي والعالمي، بينما تتيح المبادرات الثقافية المستقلة ومساحات النقاش الحر في المكتبات والمهرجانات استمرار الكلمة المقاومة وفتح الجسور مع الآخر.
هكذا يظل الكتاب أداة مقاومة لا تعرف الاندثار: توثّق الذاكرة، تزرع الوعي، وتنقل الحلم من جيل إلى جيل… لأن سلطة الكلمة أبقى من السيف، ومع كل نص يحمل رسالة العدالة والحرية، تولد مقاومة جديدة وتكبر جذور الكرامة والهوية.