كيف أعاد الشعر تشكيل السياسة الأميركية

أضيف بتاريخ 12/19/2025
عبر منصة JSTOR Daily

رأى والت ويتمان أن الشاعر جزء من منظومة الضوابط والتوازنات في الجمهورية، صوتٌ أهلي يوازي المؤسسات الرسمية ويحاسبها. بالنسبة إليه، كانت القصيدة أداة لبناء ديمقراطية حيّة وهوية وطنية تتسع للجميع، وهو ما تجلّى في اختياره لل vers libre وتوسيع “أوراق العشب” مع كل تحوّل تاريخي.



تاريخياً، لعب الشعر دوراً حاسماً منذ الثورة الأميركية، حيث استُخدم لمواجهة السلطة البريطانية وصياغة السجال العام. هذا الإرث، كما توثّقه منصة JSTOR Daily، يكشف أن “الحرب بالأقلام والمطابع” كانت موازية لحرب البنادق. لكن شمولية ويتمان تعثّرت عند حدود السود والأمم الأصلية، إذ وقع أحياناً في فخ “الهندي المتلاشي”.

على الضفّة الأخرى، تقوّض جوي هارجو، أول شاعرة من الأمم الأصلية تتولى منصب شاعر الولايات المتحدة، تلك الصور النمطية عبر مشروع “أمم حيّة، كلمات حيّة” وأنطولوجيا تمتد على خريطة واسعة من الأصوات. في “شروق أميركي”، تعيد ربط الشعر بتاريخ البلاد وتجعله أداة أخلاقية لمساءلة سياسات الانقسام، فيما يحوّل نص “باركي هذه الأرض” سردية الاستيطان إلى دعاءٍ شكور تُبارك فيه الأراضي الناس لا العكس.

هذا الانعطاف يطلب من القارئ أن يتعرّف صلاته الوجودية بالمكان وبالآخرين، ويفتح باب المشاركة خارج الصفحة. غير أنّ القرن العشرين دفع بالشعر نحو نخبوية باردة مع أسماء مثل باوند وإليوت، فابتعد عن الجمهور، وتراجع حضوره التعليمي حتى صار “النوع الأكثر تهميشاً” في مناهج كثيرة.

في المقابل، جاءت أماندا غورمان لتعيد تعريف “الشاعر” وإمكانات القصيدة في ثقافة مكتظة بالمحتوى السريع. قصيدتها “التل الذي نتسلّقه”، المكتوبة في مساء 6 يناير، قدّمت لغة جامعة ومساراً نحو وحدة ممكنة، وأدخلت أجيال المدارس إلى عالم الشعر من بوابة حدث مدني مشهود.

لم تكتفِ غورمان بالمنصّة الرئاسية؛ وسّعت حضور الشعر إلى الفضاء الشعبي: من الملاعب إلى الشاشات، ومن غلاف المجلّات إلى حملات جمع التبرعات عبر قصائد تتفاعل مع اللحظة—من الجائحة والعنف الشرطي إلى المناخ. بهذا الحضور، تستعيد أثر ويتمان بوصف الشعر ميزاناً يراجع السياسات ويضيف ما ينقص المجال العام، حتى وهي تلمّح إلى طموح رئاسي في 2036.

اليوم، ومع تصدّع الثقة بالمؤسسات وتكاثر الفقاعات الرقمية، تبرهن تجربة هارجو وغورمان أنّ القصيدة ما زالت قادرة على تشييد خيال ديمقراطي مشترك: صوتٌ يساوي بين المتناقضات، ويدعو إلى وطنٍ “أمّة من أمم كثيرة”، حيث تُقاس القوة بقدرة اللغة على جمع المختلفين لا على إقصائهم.