أنقذتني الكتب من أكثر لحظاتي ظلمة. لم تكن طوق نجاة مؤقتًا فحسب، بل صارت طريقًا ملموسًا نحو السكينة والمعنى. لم أعتبر نفسي يومًا قارئة نخبوية، ولا التهمت نصف الكلاسيكيات. لكنني وجدت في القراءة علاجًا هادئًا، صديقًا وفيًا، وعادةً تُخفّف القسوة وتُعيد ترتيب الفوضى الداخلية.
بدأت حكايتي مع الكتب من البيت. كان والداي يقرآن بلا ادّعاء، تتجاور عندهما تشارلز ديكنز مع روايات التشويق، وتتسلل جين أوستن إلى جوار قصص الرعب لِـستيفن كينغ. لم تكن القراءة واجبًا مدرسيًا أو معيار ذكاء؛ كانت بابًا للمتعة الخالصة. هذه البساطة صنعت لديّ عادة راسخة: أبحث عن القصص لا عن العلامات، وعن المتعة لا عن الاستعراض.
في المدرسة، كانت الساحة قاسية. حساسية زائدة، جسد لا يختبئ، ونكات جاهزة من المتنمّرين. وسط كل ذلك، كانت القراءة ملاذًا عمليًا: أدخل قصة فأستعيد نفسيتي. عندما انكسر قلبي، أصلحته حكايات حب رشيدة. في ليلةٍ مُحرجة وأنا في الحادية والعشرين، احتميت في الحمّام بكتاب من كوميديا P. G. Wodehouse، ضحكت حتى هدأت. ذات رحلة تعطّل فيها القطار بين باريس ولندن، قرّرت أن أُصغي إلى مذكّرات André Leon Talley بدل التنهّدات من حولي. القراءة هنا لم تكن هروبًا؛ كانت اختيار الصحبة الأجود.
هناك كتب رافقت محطّاتي الكبيرة. يوم زفافي، كان اقتباس من “La Pursuite de l’amour” لنانسي ميتفورد هو الهدية الأثمن: كلمات قليلة تشحن القلب بفرح صافٍ. ظلّ هذا الصوت الأدبي مرشدًا في بحثي عن علاقة صحيّة. عندما تتعقّد العواطف، أعود إلى مقاطعها فأستعيد رِدّتي المتزنة بدل ردود الفعل الساخنة.
تعلمت لاحقًا أن القراءة تهدّئ الجسد كما تنشّط الخيال. وسط الناس كنت أستجيب بانفعال. مع كتاب، أبدأ في الإجابة. الفرق بسيط لكنه جوهري: القراءة تمنحك مسافة كافية لتتأمّل، فتقلّ مخاوفك وحدّتك. حتى تمرّداتي الصغيرة كانت عبر الكتب؛ كان من السهل أن أتسلّل من قيود شاشة التلفاز إلى رواية للكبار أستعيرها خِفية من المكتبة. مع “مذكّرات بريدجيت جونز” اكتشفت حقيقة مريحة: الراشدون يتخبّطون مثلنا تمامًا.
في سن الخامسة عشرة، قرأت “Ralph’s Party” لليزا جويل لأن نسخة مجانية جاءت مع مجلة. بدا العالم فجأة أوسع: لندن أقرب، والحرية ممكنة، والفضول دليل طريق. بعدها بقليل، عثرت في سوقٍ شعبي على “Vacances de Rachel” لماريان كيز. وجدت مرآةً صادقة: عائلة كبيرة، حسّ ساخر، شعور دائم بأنني أخفق في تلبية التوقعات. لكنها أيضًا قصة دهشة وسقوط، علاج وإعادة بناء. أعيد قراءة هذا الكتاب كل عام تقريبًا. في 2022، بعد المرة الثانية والعشرين، أقلعت عن الشرب. لم يعظني أحد؛ الرواية فعلت ما تعجز عنه المحاضرات: قدّمت لي نفسي بلا تجميل.
صحيح أن القراءة مثل الرياضة: نعرف أنها “مفيدة”، ومع ذلك نؤجلها. لكنها لا تصير عادةً إلا عندما ترتبط بالمتعة. لذلك لا أنصحك بالقفز مباشرة إلى قوائم الجوائز إن كنت تائهًا. إذا جرّبت سيرة سياسية وأمسك هاتفك بك كل فقرتين، بدّل الكتاب فورًا. اختَر ما ينعشك: ربما “المذكّرات السرية لأدريان مول” خيارٌ أذكى الآن من رواية ثقيلة. قاعدة بسيطة لعادات القراءة: المتعة أولًا، الانتظام ثانيًا، الطموح يأتي لاحقًا.
على الهامش، خبرٌ يهمّ كل من يظن أن الأدب أرففٌ من الرصانة البحتة: مئات الكتّاب الذين حاورتهم يتعاملون مع المكتبة بسعة صدر. لا كتاب “خفيف” إذا لمس القلب، ولا نص “مبالغ” إذا أنقذك في لحظة. كاتبة مُلهِمة لي، جيلي كوبر، أخبرتني أن “مدلمارش” لجورج إليوت كان كتابها المفضّل للعزاء. من الجميل أن ترى جسرًا بين أدب كلاسيكي وحكايات عصرية، تأثير متبادل لا يعترف بالحواجز.
طوّرت طقسًا صباحيًا بسيطًا: فصلان قبل القهوة. بهذه الوتيرة أنهيت “بيت كآبة” لتشارلز ديكنز La Maison d’Âpre-Vent. البداية كانت بكتب سهلة ولذيذة، لا “تحديات” استعراضية. المردود كان واضحًا: تركيز أعلى خلال اليوم، وإلهاء أقل. القراءة في الصباح ليست بطولة؛ إنها إعادة تشغيل هادئة للذهن.
إذا كنت تبحث عن فوائد القراءة للصحة النفسية، فالنتائج يومية لا تحتاج دراسات لتثبيتها: قلق أقل، نوم أهدأ، لغة أغنى، وخيالٌ يعمل لصالحك. اقرأ لتتصالح مع نفسك، لا لتقنع الآخرين بصورة عنك. القراءة لا تعالج كل شيء، لكنها تمنحك أفضلية: مساحة تفكير قبل الفعل، ومسافة نظر قبل الحكم.
أخيرًا، تذكيرٌ عملي لبناء عادة قراءة مستدامة:
-
خمس عشرة دقيقة يوميًا تكفي لتُبقي الشعلة مشتعلة.
-
بدّل كتابك بلا شعور بالذنب إذا فقدت المتعة.
-
أبقِ كتابًا ورقيًا أو إلكترونيًا قريبًا من يدك دائمًا.
-
تحدَّ نفسك برواية أطول عندما تنضج العادة، لا قبل ذلك.
الكتب ليست هروبًا من الحياة، بل طريقةٌ للعودة إليها بعيونٍ أصفى. اختر ما يشبهك اليوم، وستجد نفسك غدًا أكثر استعدادًا لما تحب قراءته وما تحب أن تكونه.
عن البريد الدولي Comment lire m’a sauvé la vie